الإرهابي.. و تغييب تعريفه القانوني عربيا-يونس إمغران
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مساحة للنقاش

الإرهابي.. و تغييب تعريفه القانوني عربيا

  يونس إمغران    

كشفت مناقشة مشروع قانون يقضي بتغيير و تتميم مجموعة القانون الجنائي و القانون رقم 43،05 المتعلق بمكافحة غسيل الأموال مؤخرا بمجلس النواب المغربي، أن المنظومة القانونية المغربية لا تتوفر على أي تعريف ل "الإرهابي"، بينما حددت بطرق مختلفة، و صيغ متعددة، تعريف ما يسمى ب "العمل و الفعل الإرهابيين".
       و الواقع أن غياب تعريف دقيق و شامل و جامع و مانع للشخص "الإرهابي" عن كثير من مقتضيات القوانين الوطنية المجرمة للفعل الإرهابي غير مبرر إطلاقا، خصوصا و أن هناك اعتبارات عدة ترشح هذه النصوص القانونية إلى التوفق و النجاح في تحديد هذا التعريف، أهمها أن المغرب اكتوى منذ سنوات خلت، بأعمال إرهابية بشعة استهدفت أبرياء عزل، و حاولت أن تنال من حالات الاستقرار و الأمن و الطمأنينة الني أكرم الله عز و جل بها هذا البلد منذ أن تأسست الدولة المغربية الأمازيغية و العربية الإسلامية، كما أن التشريع المغربي الذي صاغ و أطر و سيج الظاهرة الإرهابية (أي القانون رقم 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب) قد اكتمل عقده الأول، لكن بالرغم من ذلك لم يتطرق لا من قريب و لا من بعيد للشخص الذي يمكن لنا أن نخلع عليه صفة "الإرهابي" و نعاقبه في ضوئها.. أضف إلى ذلك أن هناك اعتبارا ذو أهمية بالغة، يتجلى فيما راكمه القضاء المغربي من أحكام و اجتهادات و قرارات حول العمل الإرهابي و مقترفيه، لكنه هو الآخر عجز عن مد قاموسنا القانوني الجنائي بتعريف ل "الإرهابي".
       ثم إن الجوار الجغرافي الإقليمي للمملكة المغربية، يلزمها قبل غيرها بالحرص على أن لا تعتري منظومتها القانونية أي قصور أو نقص أو نسيان أو سهو في سرد و تحديد  المفاهيم التي تستهدف محاصرة الظاهرة الإرهابية و ضبطها في شموليتها و خلفياتها و تداعياتها المختلفة، إذ أن كل التقارير الدولية تؤكد على أن منطقة الساحل و الصحراء الكبرى، باتت اليوم مصدر تهديد قوي لأمن المنطقة و استقرارها، و من شأنها أن تغير تاريخ الدول و الإنسان و الثقافات والحضارات.
       و تأسيسا على ما سبقت الإشارة إليه أعلاه، فإن بلادنا معنية اليوم بتحديد هذا التعريف بكل دقة لغوية و قانونية و فلسفية، حتى لا يجبر رجال قانونها على اعتماد بعض "التعاريف" التي تقدمها بعض الدول الغربية لمرتكبي العمل الإرهابي.. علما أن مفهوم "الإرهابي" المعتمد في أمريكا و أروبا لا يخلو من مبالغة و شطط، و لا يسلم من خلفيات سياسوية و مصالح ضيقة، و لا يتعالى عن السقوط في التعصب الحضاري و استعلائه، و لا يتورع عن تبني المعايير التي تنطبق فقط على الإنسان العربي و المسلم دون غيره ممن يمارس كل أشكال العمل الإرهابي تحت لافتات عدة، أبرزها ما يسمى بالدفاع عن النفس، أو ما يطلق عليه ب "الحرب الاستباقية"، أو ما يبرر ب "الاختلال العقلي" و "المرض النفسي".
       غير أن أية محاولة لنحت مفهوم دقيق لمرتكب الفعل الإرهابي، يجب أن تحرص على تغليب كل أسباب "البراءة" على أسباب "الإدانة"، لأن المتابعات القضائية و أحكامها في كثير من جول العالم كشفت لنا عن أخطاء جسيمة ذهب ضحيتها أناس أبرياء لم تكن لهم أية علاقة لا بالإجرام العام و لا بالإرهاب الخاص، و يكفي أن نشير في هذا السياق إلى التصريح الشجاع و الصادم للملك محمد السادس للجريدة الإسبانية "البايس" الذي أكد فيه على أن المتابعات و التحقيقات التي أعقبت أحداث 16 ماي الإرهابية بالدار البيضاء شهدت أخطاء و تجاوزات، و هو ما دفع بعدد كبير من المراقبين، بعد ذلك، إلى القول أن هناك أبرياء ذهبوا ضحية المقاربة الأمنية التي اقترحت و اعتمدت في التغلب على مجمل الآثار و التداعيات التي خلفتها هذه الأحداث الإرهابية.
      و نعتقد أن المغرب ليس وحده مبدعا في مسألة تغييب التعريف القانوني للشخص "الإرهابي"، و إنما يؤازره في ذلك جميع أشقائه العرب، مما يدفعنا إلى القول، بأن اتفاقهم حول هذا الموضوع لا يأتي من فراغ، و لا تحكمه الصدفة، و لا تحركه سنن السهو و النسيان و عدم الاهتمام، بل يفيد أن وراء هذا التغييب قصد و نية، و هدف و مصلحة، و إرادة و طموح، خصوصا إذا استحضرنا سجل جميع الدول العربية في مجال حقوق الإنسان، حيث الشطط و التجاوز و الانتهاك و الظلم و التعدي.. أي لنقل بوضوح كبير، إنه من المصلحة العليا للدول العربية أن تمتنع عن تحديد دقيق لمفهوم و معنى "الشخص الإرهابي" في قوانينها الجنائية الوطنية، باعتبار أن ذلك يمنحها مساحة أكبر لاعتقال و التنكيل و امتهان كرامة أي مشتبه فيه بضلوعه في "عمل إرهابي"، كما يسمح لها بإطلاق أياديها و أرجلها للتصرف و التعامل بحرية كاملة في قضية البحث عن الجناة المفترضين، و الفاعلين المتوهمين، و هو ما لمسناه بجلاء في أحداث 16 ماي الإرهابية بالدار البيضاء سنة 2003، حيث اعتقل آلاف من الأشخاص لم تكن لهم صلة بما وقع، و زج بكثير منهم في أقبية السجون، و تم ترهيب الناس حتى لا يتحدثوا عما حصل من تجاوزات و انتهاكات، إلى أن تحدث الملك محمد السادس و كشف عن الخلل الذي لم يتحرك أحد لإصلاحه، و رد الاعتبار لضحاياه.



 
  يونس إمغران (2013-03-16)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

الإرهابي.. و تغييب  تعريفه القانوني عربيا-يونس إمغران

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia